قبل أن أبدأ, إن كان دمك فائرا و أنت في حالة من الغضب والاحتقان الشديدين بسبب ما حصل مع أسطول الحرية فأرجوك شديد الرجاء أن لا تقرأ هذا المقال إلا بعد أن تهدأ,وحتى لو أصبحت هادئا فأرجوك أن تقرأ المقال مرة و مرتين وثلاث حتى تفهم ما أريد قوله لكي لا ندخل في نقاشات عقيمة أنا وأنت في غنى عنها ...
و إن كنت تتوقع مني أن "أشفي غليلك" مما حصل من قبل الكيان الصهيوني,أو أنني سأشتمه فأيضا أنت مخطئ,وإن كنت تريد ذلك فأرجو أن لا تكمل قراءة المقال و أن تذهب إلى مدونين أو صحفيين كتبوا مقالات عبرت عن عواطفهم و يمكنها أن تشفي غليلك ...
أريد أن أتحدث عن فزعاتنا نحن العرب, و قد أصبحنا معروفين بفزعاتنا, و خصوصا عند حصول شيء ما في فلسطين ...
نحن ( وأريد أن أوضّح هنا عن أنني أتكلم عن الشارع الأردني بشكل خاص) لا نتذكر فلسطين إلا في مناسبتين : النكبة و النكسة,ولن أستغرب إن كان بعضنا لا يفرق حتى الآن بين نكبتنا و نسكتنا ...
وفي غير هاتين المناسبتين لا نتذكر فلسطين,ربما إلا عندما يحصل شيء زيادة عن الطبيعي ( مثل ما حصل مع أسطول الحرية,أو عند حرب الصهاينة الأخيرة على غزة) ...
عندما يكون الوضع طبيعيا,فالقليل القليل هو من يتبرع و يتذكر فلسطين في غير هذه المناسبات, وهنا أريد أن أوضح نقطة :
أنا لا أطلب منكم أن تتحدثوا طول الوقت عن فلسطين و عن مأساتها و عن اليهود و مَكْرِهم,لكن أريد أن نتذكر فلسطين دائما,بتبرعنا لأهلنا في فلسطين,طوال الوقت, و ليس عند حصول شيء غير عادي فقط ...
أنا متأكد بأن الهلال الأحمر و الصليب الأحمر و جميع الجمعيات سواء كانت بأسماء أشكال هندسية أم لا ستفيض بكثير التبرعات من أهل الخير و النخوة التي لا تظهر إلا عند هذه المناسبات القليلة ...
ولكن فلننتظر بعد أن تخف هذه الظاهرة ( أو لا تخف ؟ فلا أظن أن تركيا سترضى بأن تنتهي هذه القضية سريعا) أو على الأقل بعد أن تخف عندنا و يخف حديث الناس عنها, فإن هذه الجمعيات سوف لن تلقى متبرعين ليتبرعوا ( و مجددا إن كنت من هؤلاء المتبرعين الدائمين فأنا لا أتحدث عنك بل لك جزيل الشكر,ولكن أنا أتحدث عن مجمل الشعب ) و سوف تنتظر شيئا غير متوقع ليحدث حتى تنهال عليها التبرعات مرة أخرى ...
أنا أشبه هذه القضية كما قال أحد زملائي في تعليق على مقال سابق,كأصحاب الأموال الذين يدفعون بسخاء عشرات الآلاف من الدنانير لقاء موائد الرحمن في شهر رمضان,ويطعمون الفقير منسفا لمدة شهر كامل, ثم لا يجد - هذا الفقير - كسرة خبز ليأكلها في الأحد عشر شهرا المتبقين من السنة, فهل نحن حللنا شيئا من المشكلة ؟
إن كنا حقا مهتمين بفلسطين,فلن نحول أنفسنا إلى قوميين و مناضلين فقط عند هذه المناسبات القليلة,عن طريق تحويل صورنا على الفيسبوك إلى صورة معبرة,مع بعض الكلمات من دون أن نتحرك,من دون ان نسأل حتى كيف يمكننا المساعدة,أو أين يمكن أن نتبرع لمساعدتهم...ونكتفي بالدعاء, كأن الدعاء وحده يكفي من دون أن نُحَمِّل أنفسنا عناء البحث عن طريقة لمساعدة إخواننا في فلسطين ماديا, إن هذا لعمري نفاق ما بعده نفاق ! فلنعرف أن من يهتم حقا لفسطين لن يهب لنجدتها فقط عندما يقوم الكيان الصهيوني بعملية قرصنة لسفن تركية و غربية قادمة لفك الحصار عن الغزاويين...
الفزعات لن ترهب أعدائنا منا,بل بالعكس تجعلهم يضحكون علينا,وتجعلهم يفعلون ما يريدون,لأنهم يعرفوننا ويعرفون أن فزعاتنا ستستمر أياما قليلة ثم بعدها ننسى ما حصل كأن شيئا لم يكن,وترجع فلسطين صورة على جدار ممرات بيوتنا إلى ان ياتي حدث قادم آخر يعيد إحياء فلسطين عندنا من جديد,ويعيد الصور و الكلام و التبرعات إلى ما كانت عليه في الحدث الذي سبقه,والذي سبقه,والذي سبقه ...
والفزعات لن تحرر فلسطين,إلا إذا - بقدرة قادر- فزع جميع أبناء الوطن العربي "من الشام لبغدان,ومن نجد إلى يمن,ومن مصر فتطوان" لتحرير فلسطين مرة واحدة,ومشى المصري مع الجزائري و الكويتي مع العراقي من دون أن يبدأ كل واحد بجدال بيزنطي مع الآخر حول مَن أفضلُ مِن مَن, ومن منهم يستحق أن يكون له شرف المشاركة في تحرير فلسطين ...
فلنعمل على تنقية أنفسنا من الشوائب و توحيد صفوفنا,ولندعوا الله بأن تكون فزعتنا القادمة هي فزعة "كل العرب" من أجل تحرير فلسطين, وإلا سنرى شيئا أكبر من قتل عدد من المتضامنين معنا من الأجانب, بل أكبر بكثير ...
وكل فزعة والعالم العربي بخير ...